فقه الحياة
رسالة أبي حيّان التوحيدي في البلاغة
أبو حيان علي بن محمد بن العباس التوحيدي البغدادي. (923–1023) فيلسوف متصوف، وأديب بارع، من أعلام القرن الرابع الهجري.
يقول أبو حيّان في كتابه: “رسالة في العلوم” :
و أما الناظر في البلاغة، فإنه مُشام لكل صِنف سلف وصفه و تقدّم نعته، لأنه يُباشِر بلسانه و قلمه، أحوالاً مشتبهة، يروم فيها أقصى معانيها.و الذي لا يحب البتّة أن يكون القليل فيه القيام بطرق الألفاظ، و مشارفة فرق المعاني، لأنه قد يُدفع بصناعته إلى سلّ السخائم، و إلى حل الشكائم، و إلى السفارة في الملك، و إلى دقيق مايتعلق بالخاصة، وجليل مايرجع نفعه إلى العامّة. فعقله أبداً مسافر، و لفظه متتّبع.و الناس له أعداء، لأنهم بين جاهل لا يلحظ مالحظ، وعالم يحسده على ما لفظ. و عند ذلك,يلزمه مداواة الجاهل بالإعراض، ومداراة العالم بالانقباض.لئلا ينفذ فيه من الأول سهمه، و لا ينفث عليه من الثاني سمّه.و الذي ينبغي له أن يبرأ منه. و يتباعد عنه. التكلّف. فإنه مفضحة، و صاحبه مزحوم. و من وُسِم به مقيت. و من اعتاده سخف. و التكلف, و إن كان هكذا في كل مادخله و تخلله، فإنه في البيان أبين عواراً، و أظهره عاراً، و أقبح سِمة، و أشنع وصْمة.و من استشار الرأي الصحيح في هذه الصناعة الشريفة، علِم أنه سلاسة الطبع، أحوَج منه إلى مغالبة اللفظ، و أنه، متى فاته اللفظ الحر، لم يظفر بالمعنى الحرّ، لأنه متى نظم معنى حراً، و لفئاً عبداً، أو معنى عبداً، و لفظاً حراً، فقد جمع بين متنافرين بالجوهر و متناقضين بالعنصر.و ما أحسن ما حصر هذا الباب ابن المعتز – و أبو العباس عبدالله بن المعتز – عليّ المحلّ في بلاغتي النظم و النثر، و كلامه السحر الحلال و العذب الزلال، و اللؤلؤ المنثور، و الروض الممطور، بمعاني دقيقة و ألفاظ رقيقة يُريك من نفسه ملِكاً في زيّ مسكين, و مسكيناً في همّة جبار.قال: “مدار الكلام على أربعة أركان: منها ماجاد لفظه و معناه, و منها ما خسّ لفظه و معناه؛ و منها ماجاد لفظه و خسّ معناه؛ و منها ماخسّ لفظه و جاد معناه.“هذا قوله. فقد وضَح للمنصف أن ثلاثة أركان من هذه الأربعة قد تهدمت و تداعت، و أن المفزع إلى الأول.