حقيقة التوكل عند ابن القيم
أبو عبدالله شمي الدين محمد الزرعي (691هـ – 751هـ/1292م – 1350م) المعروف باسم “ابن القيم” فقيه ومحدّث ومفسّر وعالم مسلم مجتهد من أبرز أئمّة المذهب الحنبلي. ولد في دمشق واتجه لطلب العلم في سن صغيرة، فأخذ العلم عن عدد كثير من الشيوخ في مختلف العلوم، منها الفقه والتفسير والحديث واللغة العربية، ومن أبرز شيوخه الإمام ابن تيمية ، فلازمه حتى توفى أي لازمه سبعة عشر عامًا تقريبًا.لديه الكثير من المؤلفات أشهرها كتاب “الروح”
حدثنا الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه “مدارج السالكين” عن التوكّل الحقيقي كما يراه، وهنا جزء من حديثه.
وكثير من المتوكلين يكون مغبونا في توكله، وقد توكل حقيقة التوكل وهو مغبون. كمن صرف توكله إلى حاجة جزئية استفرغ فيها قوة توكله، ويمكنه نيلها بأيسر شيء. وتفريغ قلبه للتوكل في زيادة الإيمان والعلم ونصرة الدين والتأثير في العالم خيرا. فهذا توكل العاجز القاصر الهمة. كما يصرف بعضهم همته وتوكله ودعاءه إلى وجع يمكن مداواته بأدنى شيء، أو جوع يمكن إزالته بنصف رغيف، أو نصف درهم، ويدع صرفه إلى نصرة الدين وقمع المبتدعين وزيادة الإيمان ومصالح المسلمين. وحال النبي صلى الله عليه وسلم وحال أصحابه محك الأحوال وميزانها، بها يعلم صحيحها من سقيمها، فإن هممهم كانت في التوكل أعلى من همم من بعدهم. فإن توكلهم كان في فتح بصائر القلوب، وأن يعبد الله في جميع البلاد، وأن تشرق شموس الدين الحق على قلوب العباد، فملأوا بذلك التوكل القلوب هدى وإيمانا، وفتحوا بلاد الكفر وجعلوها دار إيمان. وهبت روح نسمات التوكل على قلوب أتباعهم فملأتها يقينا وإيمانا. فكانت همم الصحابة رضي الله عنهم أعلى وأجل من أن يصرف أحدهم قوة توكله واعتماده على الله في شيء يحصل بأدنى حيلة وسعي، فيجعله نصب عينيه، ويحمل عليه قوى توكله، ويظن أنه يبلغ بذلك المراتب العالية.