فقه الحياة

إليف شافاق، تحكي عن الحب، الزواج، والأمومة

إليف شافاق

هل هذا هو ما عليه الإكتئاب ؟ الشعور بالغرق لأن اتصالك بالله قد انقطع، وقد تُركت وحيداً في فضاء مائع أسود ؟ مثل رائد فضاء انفصل عن مركبته وانقطع عن كل ما يربطه بالأرض؟

الرائعة والجميلة شكلياً وأدبياً كاتبة (قواعد العشق الأربعون) الروائية التركية (أليف شافاق)، هذا الاسم الذي يحمل معنى محبب لدى الكاتبة، حيث أليف: يعني حرف الألف في الابجدية العربية. شافاق: هو اسم والدتها الذي اختارت أن تحمله وهو بمعنى شفق أي الفَجر.

تحمل شفق شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة الشرق الأوسط التقنية في تركيا كما تحمل شهادة لماجستير في “الجندر والدراسات النسوية” والدكتوراه في العلوم السياسية من الجامعة ذاتها. نالت عن أطروحتها لنيل الماجستير في موضوع الإسلام، والنساء، والتصوف، جائزةً من “معهد علماء الاجتماع”.

تزوجت سنة 2005 من الصحافي التركي (أيوب كان) وأنجبت منه طفلين. أسمت ابنتها (زيلدا) على اسم (زيلدا فيتزجرالد)، وأسمت ابنها على اسم (الزاهر)، بطل إحدى قصص (بورخيس). ولهذا الزواج، ما قبله وما بعده، حكاية تحكيها الكاتبة في (حليب أسود) وهو آخر ما صدر لها، والذي ترجمه للعربية أحمد العلي لدار مسيكلياني :

هذا الكتاب هو قصة مواجهتي لتعددي الداخلي، وكيف تعلمت أن أتحد وأصير واحدة.

 حيث كتبت هذا الكتاب أثناء معاناتها مع اكتئاب ما بعد الولادة الذي باغتها بعد أن أحبت وتزوجت وأنجبت طفلتها الأولى، وهي التي كانت ترفض الزواج ولا ترى لها أبناء سوى الكتب، وحبيباً سوى القلم.

تجيب عن السؤال الذي تردد كثيراً من حولها حول السبب الذي غيّر رأيها وقناعاتها عن الحب والزواج، فتقول: “ببساطة، لقد وقعت في الحب!” 


تحكي في الكتاب عن مواقفها وآرائها من الحياة قبل أن تقع في الحب، وكيف وقعت فيه، وكيف غيّرها ذلك وكشف لها صوتاً داخلياً يأمرها أن تكون المرأة التي لم تتخيل نفسها أن ستكونها يوماً !

لكنها رغم ذلك عاشت صراعاً بين أصواتها الداخلية المتناقضة والتي أسمتهم في كتابها (جوقة أصوات نسوة الأصابع) واللاتي يتدرجن بين الآنسة المثقفة والآنسة الطموحة والسيدة الدرويشية والسيدة العملية، وغيرها من الأصوات التي تكتشفها الكاتبة تباعاً. لخصت الكاتبة صراعها الداخلي مع ذاتها ومع الحياة في جملة واحدة قالت فيها على لسان الآنسة المثقفة :

لا يهم أي امرأة ستصيرين، لأنك ستتمنين دوماً لو أنكِ الأخرى.

عن حياتها قبل الحب والزواج والإنجاب تقول:

شعرت أن هناك الكثير في هذا الكون مما لا أستطيع القبض عليه بحواسي الخمسة وحدها. الحقيقة أني لم أكن مهتمة بفهم العالم بقدر ماكنت مهتمة بتغييره.

وأما عن الأمومة فهي ترى أن المرأة لا تصير أماً بمجرد الإنجاب؛ بل عليها أن تتعلم الأمومة. وهذا ما لم تجده الكاتبة سهلاً  كما كانت تظن! وأن الأمومة تحتاج إلى الكمال والتوحد وهو ما كانت تفتقده على وجه التحديد :

ظننت بأنه لا يمكنني التعامل مع أصواتي الداخلية المتضاربة، حين أتفق مع واحدة، لا يمكنني مصالحة الأخريات، كنت في كل فترة أميل إلى واحدة منهن أكثر من الأخريات.. لكن بعد ولادتي لم يعد ذلك النظام فعالاً، لم أكن قادرة على تحمل التعدد الذي بداخلي فالأمومة تحتاج إلى التوحد، تحتاج إلى الثبات والكمال، بينما كنت منقسمة داخلياً إلى عدة أصوات ولذا تصدعت تحت ذلك الضغط النفسي ووقعت فريسة للإكتئاب!

الكتاب أكثر من رائع! ليس فقط للنساء بل -كما تقول في المقدمة- هو لكل من يبحث عن التصالح مع ذاته المتشظيّة إلى ذوات، وإلى جانب المتعة والخفة زودت الكتاب بدراسة مفصلة عن أشهر الكاتبات والأديبات اللاتي عرفهن العصر وكيف أثرت مهنتهن على حياتهن الاجتماعية، بل وحتى زوجات أشهر الكتاب كزوجة تولستوي الحقيقة وزوجة (شكسبير) الخيالية .. مما يجعله مرجعاً أدبياً مهماً في الحقيقة. 

وكما قالت د.(بدرية البشر) في مقدمة الكتاب :

تكتب (إليف شفاق) ببراءة تشبه براءة أفلام الكارتون التي تصور الجميع أبرياء أو بشراً في النهاية، وتجعلنا نتعاطف معهم. إليف قلم أصيل، لا يتبع ما يعثر عليه في السياق، ولا يروج له، بل يكتب ما اختبره بنفسه مع احترام تجارب الآخرين. وقد برعت وأثبتت أنها شجاعة وطيبة مثل بطلات الحكايات الخرافية اللاتي يفُزن في النهاية.

الجدير بالذكر أن الكاتبة و بعد سنة من تجربتها تلك كتبت رائعتها قواعد العشق الأربعون والتي بيع منها 550,000 فأصبح بذلك الكتاب الأكثر مبيعًا في تركيا. وترجمت أعمالها لما يزيد عن ٣٠ لغة.

زر الذهاب إلى الأعلى