الكتابة ضد غسيل الصحون، فيرجينيا وولف
تقول (فرجينيا وولف) في كتابها (غُرفَةٌ للمرءٍ وحده) أنّه لم يكن في وسع امرأة، أية امرأة على الإطلاق، أن تكتب مسرحيّات شكسبير في زمنه. ولتوضح حجتها ابتكرت امرأة خيالية وقدمتها كأخت لـ(شكسبير)، اسمها (جودث). لنفترض للحظة أن جودث هذه كانت شغوفةً بالمسرح كما كان (شكسبير)، وتتمتّع بالموهبة نفسِها. فماذا سيكون مصيرها؟ هل كان لها أن تُسّخّر حياتها في تنمية موهبتها كما فعل (شكسبير)؟ تقول (فرجينيا):
الجواب هو لا، لأن هناك أنظمةً وقوانينَ مختلفة لكل من الرجال والنساء. تستطيع (جودث) أن تكون موهوبةً كيفما تشاء، مولعةٌ بالفنون والآداب كيفما تُحب، بيد أن طريقها ككاتبة سيكون مرصوفٌا بالعقبات، صغيرها وكبيرها. ستمر بوقتٍ عصيب لتجد فسحة متذبذبة بين الزوجة الاجتماعية والزوجة الرفيقة والأم المخلصة التي عليها أن تكونهن جميعًا. والأهم من ذلك أنها لن تجد، وهي متمزقة بين واجبات الأم والزوجة، أي وقتٍ للكتابة. سينقضي يومها مستغرقةً في أعمال المنزل الروتينية ؛ الطبخ والكّي والاهتمام بالأطفال والتبضّع للمنزل والاعتناء بكل مسؤولياتها العائلية، وقبل أن تنتبه، ستجد نفسها امرأةً منخولة ؛ يتسرّب وقت العالم كلّه من ثقوب حياتها. وحتّى تلك اللحظات النادرة التي تجد نفسها فيها وحيدة، فسوف تكرّسها للاسترخاء والتخلّص من التوتّر. كيف لها أن تكتب؟ متى ستقوم بذلك؟
منذ البدء، كان الفُرَص الُمتاحة لشكسبير محظورة على (جودث). في عالم تُثبًط فيه عزائم النساء عن تنمية فرديتهن، ويُلًقن بأن دورهنّ الأساسي في الحياة هو الوقوف كأم وزوجة صالحة فحسب، عالم فيه النساء مجرّد أصواتٍ في حيّز الثقافة الشفهيّة، ولكن لا أحد ينظّر إليهنّ داخل الثقافة الكتابية، لذلك فإنّ الكاتبات يبدأن اللعب منذ الخسارة: صفرًا مقابل سًبعة.
لنقم الآن بطرح سؤال (فرجينيا وولف) على الشرق الأوسط.
فمن يدري كم امرأة عاشَت في تاريخ الشرق الأوسط؟ نساء كان بإمكانهن أن يُصبحن شاعرات أو كاتبات، إلا أنه لم يُسمح لهنّ بذلك. نساءُ خبأنَ قصائدهن في قنّ الدجاج أو صناديق المهور، حيث فسدت إلى الأبد. وبعد سنوات طويلة، وهُن يحكين القصص لحفيداتهن، قد تقول إحداهن :
– كُنتَ مرةٌ أكتُبُ الشّعر! هل تعرفنّ ذلك؟
– وما ذاك يا جدتي؟
– الشّعر؟ إنه مكانٌ ساحرً، خلفَ جبل قاف!
– هل بإمكاني الذهاب إلى هناك أنا أيضًا؟ هل أستطيع ذلك؟
– بلى تستطعين ذلك يا عزيزتي. لكن لايمكنك المكوث هناك. زيارة قصيرة وحسب. هذا فقط ما يُسمحُ به لك.
وستقول ذلك هامسةً، وكأن ما قالته، إلى هذا الحدّ، إحدى حكايات العفاريت.
[المصدر]