الحضارات البشرية والتاريخالعلوم السياسية

سر فقر الدول الفقيرة كما يشرحه الصحفي الاقتصادي تيم هارفورد

تيم هارفورد إقتصادي وصحفى إنجليزى مؤلف كتاب (المخبر الإقتصادى) الذى بيعت منه ملايين النسخ وحقق نجاحاً كبيرًا.

            في العام 1472 وصل مجموعة من البحارة من البرتغال إلى الساحل، وتفاجأوا بوفرة الروبيان الشبحي الشديدة في النهر، فأطلقوا اسم ( Rio dos Camaroes ) على المنطقة والتي تعني نهر الربيان بالبرتغالية، فسميت بالكاميرون بعد ذلك بالانجليزية. ثم تم تنظيم تجارة مع الشعوب الساحلية من جهة المصالح الأوروبية في أوائل القرن التاسع عشر.

تنقلت الكاميرون من استعمار لاستعمار، من ألمانيا لفرنسا وبريطانيا حتى استقلت. لكنها عانت سياسيا من أساليب الحكم، ثم وقعت تحت تأثير الأزمة الاقتصادية الدولية التي حدثت في منتصف الثمانينات، مما اضطر الكاميرون إلى اللجوء لطلب المساعدات الخارجية.

ومن المفارقات أن تجد أفرادا من الكاميرون يجمعون التبرعات من أجل بناء مسجد لا مستشفى، تقول إحداهن وهي أمٌّ لطفلين: “وحده الله القادر على إنقاذنا لذا فعلينا أن نصلي نحتاج مكانا للصلاة”! ومن هنا يتضح أن الأزمة ثقافية معرفية فوق كونها سياسية واقتصادية!

يقول (تيم هارفورد) عن سر فقر الدول الفقيرة وقد اتخذ دولة الكاميرون كمثال، يقول:

لماذا لا نرى الشعب الكاميرونى يحاول أن يفعل شيئاً حيال ذلك؟ ألا تستطيع المناطق الكاميرونية تحسين مدارسها؟ ألا تزيد المنافع عن التكاليف؟ ألا يقدر رجال الأعمال الكاميرونيين على بناء المصانع واستيراد التكنولوجيا والبحث عن شركاء أجانب .. و جنى الثورة من كل هذا؟!

من الواضح أن الإجابة هي لا! أوضح مانكور أولسون أن حكم اللصوص يعوق النمو فى الدول الفقيرة . فإذا كان الرئيس لصاً ، فقد لايسبب الهلاك بالضرورة لشعبه، بل إنه قد يفضل دفع عجلة الإقتصاد حتى يحصل على نصيب كبير من كعكة أكبر. ولكن بوجه عام فإن أعمال السلب والنهب سوف تنتشر؛ إما لأن الدكتاتور غير متأكد من طول الفترة التى سيظل فيها فى الحكم، أو لأنه يبغى السماح لأتباعه بالسرقة لكى ينعم بتأييدهم المستمر.

و تحت سفع هرم الثروة، تفشل التنمية؛ لأن قواعد المجتمع وقوانينه لاتشجع المشروعات أو الأعمال التجارية التى ستكون للصالح العام . فإن أرباب العمل لن يمارسوا أعمالهم التجارية بشكل رسمى – لصعوبة ذلك – وبالتالى هم لا يدفعون الضرائب، ومسؤولو الحكومة يطلبون تنفيذ مشروعات لا معنى لها، إما بهدف الوجاهة أو بهدف إثراء أنفسهم، و تلاميذ المدارس لا يمانعون من الحصول على مؤهلات غير مفيدة.

وليس من الجديد أن نسمع عن الدور المهم للفساد والدوافع الغير مناسبة، ولكن ربما من الجديد أن نكتشف أن مشكلة الأنظمة والقوانين الملتوية لا تشرح فقط بعضاً من السبب وراء الهوة بين الكاميرون والدول الغنية، وإنما تشرح السبب بأكمله.

فالدول أمثال الكاميرون تجد حالتها أقل بكثير من إمكانياتها وطاقاتها، حتى لو أخذنا فى الإعتبار بنيتها التحتية الضعيفة أو إستثماراتها الضئيلة أو حدها الأدنى من التعليم. ولكن الأسوأ من هذا أن شبكة الفساد تحيط بكل جهد لتطوير تلك البنية وجذب الإستثمار والإرتقاء بمستوى التعليم.

وحول تحديد حقيقة ما ينقص الكاميرون خاصة – والدول الفقيرة عامة – لتحقيق التقدم، يقول:

لم نصل بعد إلى رأي مناسب يمكنه تحديد ما ينقص الكاميرون أو ماينقص فى الحقيقة الدول الفقيرة فى العالم.

ولكن بدأت تلوح لنا فكرة عنه، إذ يسميه البعض “رأس المال الإجتماعى” وأحياناً “الثقة” ويسميه آخرون “حكم القانون” أو “الأعراف”. ولكن ليست كلها إلا مجرد مسميات. فما يزيد مشكلة الكاميرون تعقيداً هو أن حالها مقلوب رأساً على عقب – مثلها فى ذلك العديد من الدول الفقيرة – حيث أن معظم مواطنيها يحبون القيام بالأعمال التى تسبب الضرر للآخرين سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

لقد أصيبت الحكومة بإنهيار المعايير ثم أصيب بها المجتمع بأسره.

و الآن ها قد بدأنا نفهم قدر أهمية المشكلة، ويمكننا البدء فى دفع الأمور نحو الأفضل. ولكن مقاومة الحلول متأصلة في طبيعة المشكلة، ولهذا فإن معالجتها عملية شاقة بطيئة، لايستسيغ عقلنا فكرة فرض الديمقراطية بالقوة، وحتى إذا فعلنا ذلك، فستتولد أنظمة لن تٌكتب لها الإستمرارية.

بالتأكيد لايمكن حل هذه المشاكل بين عشية وضحاها، ولكن بعض الإصلاحات البسيطة – التى يصاحبها قدر يسير من الإرادة من رجال السياسة – يمكنها تحويل الدول الفقيرة مثل الكاميرون للسير فى الإتجاه الصحيح.

أحمد كانو

مدون حر ، مهتم بالفلسفة و السياسة و التاريخ
زر الذهاب إلى الأعلى