الوجه البشع للموسيقى عند إدوارد سعيد
كان إدوارد سعيد (1 نوفمبر 1935- 25 سبتمبر 2003) شغوفًا بالموسيقى إلى حد كبير. فقد كان مستمعا جيدا مخلِصًا للموسيقى الكلاسيكية ذوقيا ، فقد تعود و تدرب على سماعها منذ صِغره و تعلم العزف على البيانو في عمر مبكرة – حتى اقتنع انه سيكون مستقبلا عازفا كبيرا لآلة البيانو – كنوع من الدخول في أسلوب الحياة البرجوازية الذي حاول والده آنذاك يعوّده عليه بزعمه. و بالفعل كان له ما توقع و لو قليلا على الأقل فقد عزف البيانو في بعض الحفلات التي حضرها قبل أن يتغير مستقبله كليا و يصير المفكر و الناقد الثقافي الذي نعرفه. رغم ما صار إليه إدوارد سعيد من موضع آخر بعيد عن الموسيقى إلا أنه كتب ماهو ليس بالقليل عنها فقد ألف كتابين هما ” توضيحات موسيقية ” و ” موسيقى بلا حدود ” و العديد من المقالات مثل مقالاته في مجلة الأمة الأمريكية الشهيرة.
و قد تأثر إدوارد سعيد في تحليله الموسيقي و آثار الموسيقى الإجتماعية تأثرًا جليا بالفيلسوف الكبير ثيودور أدورنو الذي اختص بمجال الجماليات و علمها في مدرسة فرانكفورت الفلسفية ولا يكاد يخلو كتاب ولا مقال لإدوارد عن الموسيقى ولا يأتي ذكر أدورنو كأب روحي لسعيد في هذا الجانب. يلتقي إدوارد سعيد بأدورنو في كون أن الموسيقى لا تنفصل عن النشاط الإجتماعي ، خاصة المفارقة غير الإنسانية التي ما ربطت كثير بين الموسيقى كونها في جوهرها فن نبيل و بين ممارسات بشعة مثل سوق المعتقلين في السجون النازية على موسيقى الموسيقار الشهير فاغنر. و كان أدورنو أول من بدأ هذه الإشارة إلى الربط بين الموسيقى و الإعتقال و التعذيب و سوْق المعتلقين إلى غرف الإعدام على أنغام الموسيقى الكلاسيكية. و لم يلبث طويلا حتى سار إدوارد على نفس النهج و الأخذ بالمقارنة ذاتها و إنزالها على أفعال إحتلال الإسرائيلي في سجونها تجاه الفلسطينيين ، حيث تُمارِس نفس الأسلوب فيذكر سعيد استخدامها موسيقى الميتال ” روك ميتال ميوزك ” لإزعاج المحاصرين في كنيسة المهد في بيت لحم عام 2002 في الإجتياح الإسرائيلي للضفة الغربية آنذاك.
يذكر سعيد في أحد المقالات:
إنني مهتم جدا بالأثر و المكون الإجتماعي للموسيقى. وما تصنعه من إشكاليات أخلاقية ربما بحسب أدورنو ، الذي استفزه عزف الموسيقى الكلاسيكية في معسكرات أوشفيتز الشهيرة ، فالضابط كان يقتل الناس نهارا ليعزف باخ ليلا !
و يكمل سعيد عن الممارسات الإسرائيلية في سجونها ذاكراً أن القوات الإسرائيلية و منها المخابرات كانت تبث موسيقى بيتهوفن أثناء تعذيب المعتقلين الفلسطينيين كنوع من ” الضغط البدني المعتدل ” كما يصفه الإسرائيليون. و يذكر أيضا أن صديق ابنه و الذي كان عضوا في حركة المقاومة الإسلامية ” حماس ” لم يكن يحتمل موسيقى بيتهوفن التي كانت تدوي في منزل إدوارد. فعندما سأله لماذا ؟ قال له بأن الإسرائيليين كان يضعونه في زنزانة مجهزة بمكبرات الصوت و يعزفون الموسيقى الكلاسيكية بأعلى صوت ممكن كنوع من أنواع الضغط.
إن جوهر القضية بالنسبة لإدوارد سعيد يتلخص ربما في قوله :
إن استخدام الموسيقى الكلاسيكية من جانب أناس لديهم ثقافة موسيقية رفيعة المستوى – حيث أن فرقة الأوركسترا الإسرائيلية كانت تعزف أعمال بيتهوفن و موتسارت و آخرين مثل أي فرقة بالعالم – في مراكز الإستجواب ضد الفلسطينيين هو ، ببساطة أمر لا يمكن الدفاع ولا السكوت عنه.