إلِف شفق تتساءل .. متى نكبر في أعين أمهاتنا؟ بعد نشر كم رواية للكاتب؟ بعد إصدار كم ألبوم موسيقي للفنان؟
إلِف شفق، من مواليد 1971. هي روائية تركية تكتب باللغتين التركية والإنجليزية، وقد ترجمت أعمالها إلى ما يزيد على ثلاثين لغة. اشتهرت بتأليفها رواية (قواعد العشق الأربعون) سنة 2010.
في مقالة لها، قمت بترجمتها مؤخرًا من اللغة التركية، تتساءل (شفق) عن اللحظة التي نكبر فيها بأعين أمهاتنا. تقول في مقالتها:
حدث ذلك قبل سنوات. كنت وقتها أكتب (قصر القمل) أو (شرف). كنت منزوية في ركن، مستغرقة في رحلة داخل نفسي. أمامي على مكتبتي كتب ومعاجم وأوراق ولابتوبي، كنت أكتب، بلغت منتصف الرواية الآن ،والشخصيات اكتست عظامها ولحمها وتشكلت. اتجول في عالم الخيال. وبينما أنا مستغرقة إذا بصوت أمي يأتي من الداخل، واضح أنها تتحدث على التليفون :”من الجيد أنك اتصلتِ عزيزتي -سمراء-“.
من يدري من كانت تكلم؟ إما قريبة أو صديقة قديمة، تتكلم وتتكلم؛ ثم تحول محور الحديث إلي “ايه، ألِف أيضًا بخير، كما عرفتيها. تقرأ باستمرار، ستعمي عينيها. تذاكر دروسها بالداخل“. أذاكر دروسي؟؟ مرت سنين منذ تخرجت من الجامعة. ما أفعله ليس له أي علاقة بالدراسة، فكتابة الروايات هي عملي ووظيفتي وهوايتي. لكن لامشكلة… فأنا مازلت في عين أمي التي اسمها هو نفس اسم عائلتي (شفق)، طالبة في الجامعة.
مرت سنوات على ذلك الموقف. كان قد صدر كتاب (حليب أسود). وكنت أعقد مؤتمرا صحفيًا، الأجواء جدية، والأسئلة خشنة، وهاتفي على الوضع الصامت. فجأة تتصل السيدة (شفق)، لم أتحمل فأجبتها “ألِف عزيزتي، أنا الآن في سوبر ماركت، المحاسبة هنا تقول أنها تحبك جدًا. اسمها نازان، وهي من تونجلي، سأعطيها الجوال، سلمي عليها!” و قبل أن أستطيع قول “لكني مشغولة” إذ بصوت شخص غريب في أذني، كانت فتاة شابة صوتها يرجف من الحماس “مرحبا سيدة (شفق)، لقد قرأت كل شيء كتبتيه، أحبك جدًا” كانت تتكلم من قلبها وبكل براءة، فرردت عليها بنفس النبرة “مرحبا” وقتها كان الصحفي الجالس أمامي يراقبني بفضول وسخرية، من يدري ماذا سيكتب عني الآن؟ إستمررت على هذا الوضع متحدثة إلى هذه الفتاة لمدة عشرة دقائق، بعدها تناولت أمي الجوال “جميل أنكما تعرفتما على بعضكما، مع السلامة“.
بعد سنة او سنتين، كنت في معرض كتاب. لقاءات وأيام توقيع متعاقبة. أولًا أعطيت كلمة طويلة، وبعدها تعرضت لسيل القراء، أسئلة تلو أخرى، ثم تصفيق طويل. بعدها دخلنا إلى الصالون الداخلي، كان هناك صف طويل جدًا كان مستعدًا لأن ينتظر ساعتين حتى يلتقط الصور معي، أو يحضنني، أو يحصل على توقيع، كما كان هناك صحفيين وكاميرات، وازدحام وارتباك.
في تلك اللحظة تتصل بي السيدة (شفق). عندها، وفجأة، تتغير السيدة الحكيمة العارفة بكل شيء، المتحدثة من فوق سحابتها “أنا” تمامًا. فأصبح طفلة صغيرة أهمس للجوال “أمي أنا في حفل توقيع، سأكلمك لاحقًا” فترد “أعرف أنك في حفل توقيع، رأيتك في التليفزيون، لماذا لم تخبريني؟ لماذا لا أعرف عن نشاطاتك إلا من الصحافة؟” واستمرت بالكلام دون أن تتيح لي مجال لأن أجيب على هذه الأسئلة المستحيلة “ربما لا تتذكرينها، السيدة منور جارتنا القديمة اتصلت تبارك لك، إنها تتذكر طفولتك. لقد استفرغتِ في بيتها مرة، أكلت أربع بيضات ،من الطبيعي أن تستفرغي، مازالت المرأة تتذكر الحادثة إلى اليوم“
بينما كنت أستمع الى كيفية إستفراغي ونا طفلة، جاء الأصدقاء من دار النشر الى جانبي والناشر. “سيدة (ألِف)، جاهزون للتوقيع متى ماكنت جاهزة، الجميع ينتظر بفارغ الصبر، والحضور كبير” فأقول لهم حسنا خلال دقيقة سأنهي المكالمة، كان العرق يسيل بغزارة، وأمي تكمل كلامها “والجيران أيضا يبلغون سلامهم، وأصدقاءك من المدرسة أيضًا، لا تنسي إحضار كتبًا موقعة؛ أحدها لخليل السباك الذي أصلح حنفيتنا، هو خاطب، وخطيبته تحبك. اسمها “سميراء”، لا تنس، سميراء وليس حميراء. إنه يدعوك لحفل زفافهم، وقد دعاني أنا أيضا. لقد وعدت ثلاث بنات في المشغل أيضا“. لحظتها انفصلت عن محيطي. في تلك اللحظة .. لا أدب ..لا فن… لا فلسفة..لا كتب.
كنت مشغولة بفهم لغة السيدة (شفق). لم تُكتشف شفرة لفهم لغتها بعد. “أي مشغل يا أمييي؟” فتقول “فتاة المناكير تريد رواية الهارب، وأمين الذي يصبغ شعري، إنه شاب محترم، هو أيضًا يريد رواية اللقيطة . كما هناك الذي يحضر الشاي، هو أيضا يريد “قواعد العشق الأربعون”. لكنه لا يريد الوردي، أحضري ذو الغلاف الرمادي” وأخيرا عندما تنتهي المكالمة. كان الانتقال من هوية “بنت أمها” إلى “كاتبة قراءها” يأخذ بعض الوقت ، أشرب كأس ماء بارد، ثم أباشر بالتوقيع بأسلوب غاية في الجدية.
متى سنكبر في أعين أمهاتنا؟ بعد نشر كم رواية للكاتب؟ بعد إصدار كم ألبوم موسيقي للفنان؟ بعد كم بحث علمي للأكاديمي؟ وبعد كم مرة انتخاب يكسبه السياسي؟ وبعد كم عملية للدكتور يصبح بعدها بالغًا في عيني أمه؟ لا أعرف!.